المجتمع المدني العربي دولة نامية. لماذا؟

كلّما بالغت في تقليم أظافري بطرف أسناني وأنا أفكر في قضية ما، نبت لي عضو حسي في قلمي وحققت ثورة

لم تكن أمي تعلم أني أبحث عن فكرة أو حلّ مشكل ما حين احتدّت رغبتي في تقليم أظافري بعد البلوغ. سنّ البلوغ هو بالنسبة لي يشبه عملية انقلاب أحد أفراد المجتمع على السلطة.الجسد يأخذ له حيّزا في الفضاء، الرّوح تسمو، والذهن يؤكّد حضوره في المآتم والمسرّات فينصهر في الواقع. وما إن يتعثر في أضلاعه أوّل عثرة حتى ينقلب عليه (الواقع). بقطع رؤوس الأظافر إذا يتمّ القطع مع بقايا الشوك الذي تدسّه ضجّة ”الدولة الواقع” من حولنا، نعم هكذا كان يخيّل لي، أو علها تكون هستيريا العصف الذهني المبكّر. المهم  كانت أمي تفكر في جمال أصابعي لأنّي أكون ابنتها الوحيدة، بينما كنت أجمّل اسطوانة أفكاري وأبلّلها بريقي اللزج لأعبر بها من سلطة الانتماء لثقافة وبيئة ومجتمع معين إلى واقع آخر تكون السيادة فيه للفكرة والبداهة والاختلاف والأنا والفلسفة .لطالما عجزت على أن أكون النسخة المشابهة للوالدة وبنت العم والخالة وبنت الجيران المدلّلة ولأبي وللمجتمع الذي يحيط بي أيضا .وفهمت وقتها أنّه ليس من الحكمة أن أكون على قدر الشبه بأحد غيري .

نفس ذات الاسطوانة لازالت تدور في أفكاري لليوم، أو بالأحرى لا تزل تدور فيها أفكاري مبعثرة كشريط أغنية قديم أكله الزمن .الوطن الذي ولدنا فيه يدور هو أيضا، كأغنية متعددة الجنسيات،يدور في اتجاهات لا نفكر في السير نحوها غالبا، الدولة والفرد/المواطن يسيران دائما عكس التيار والاتجاه . الوطن يأخذ راحته في السفر والدوران، والدولة تتشكّل هي الأخرى كلّما استوقفتها محطة عبور وحالة انتفاضة اجتماعية أو حرب أو ثورة أو انقلاب على سلطة، إضافة إلى توسع رقعة الاحتجاجات داخل إقليم ما وقت الحراك الشعبي  .الدولة تُبنى أيضا من الحدث الثقافي الذي ينظمه مجموعة أفراد، كمهرجان قرطاج للفنون المعاصرة مثلا أو مهرجان قرطاج الدولي والسينما والمسرح ، أومشاركة منتخب كرة قدم في دورة كأس عالمية. إنّ الدولة حسب رأيي لا تبنى إلا بدورة المهرجانات السنوية وبالحراك الاجتماعي والغليان المستمر بين أفرادها وجماعاتها.

تركب الدولة فوق كل هذه الأحداث، وتدّعي بمشورة الوزراء والمستشارين وكتّاب الدولة والإعلام أنّها بصدد رسم معالم سياسية/قانونية وهيبة للدولة. أرأيتم ؟ كم يبدو بسيط بناء دولة عندي، حتى أنه أسهل من حفر بئر عميق في حقول العنب التي تركها جدي،  أو بناء فيلا عصرية تفتح على البحر وتحتوي على مطبخين .

اليوم بعد أن صرت كاتبة بشهادة قارئ واحد  يحفظ عن ظهر قلب أغانيّ التي أردّدها زمن الكتابة، بتّ أفكّر في طول أظافري، وتلميعها، وتزيينها، وترتيبها مرة في الأسبوع كما كانت تشتهي والدتي .أتدرون لما ؟ لقد ترسخ بذهني أن أظافر المجتمع لما تطول وتصير كمخالب المعزاة فهي لا تقدر على حفر نفق تلتجئ إليه وقت احتدام الصراع الطبيعي بين مجتمع مدني ودولة لأنّها أظافر تشابكت فاختلّ نظامها .بينما تصلح أظافر الفرد وخاصة المرأة بأن تعطي انطباعا شكليا على أجوائها الذهنية التي انتقلت من مرحلة المراهقة الثملة التي لا تقبل حدة رؤوس الأصابع إلى طور الكهولة الواعية بأهمية خدش حياء أي سلطة من حولنا لا تنفكّ تمجّد ”العقول الديبلوماسية” الفارغة إلا من جواز سفر يمرّ عبر كلّ الآلات القارئة ولو كان مزوّرا . كل ديبلوماسي أنا أعتبره منتحل شخصية يتعامل بمنطق البروتوكولات ويشدّد في تعامله على (فنون الإتيكت) التي تتعلّمها المرأة في صالونات الحلاقة والتجميل في زمننا الراهن، وهي بصدد تمليس أظافرها الاصطناعية المشدودة للإصبع الطبيعي بلصق قوي لا يدوم .

لطالما تساءلت: لماذا تسعى المرأة لتركيب أظافر بلاستيكية مطلية وجاهزة مستوردة من الصين العظيم، في حين أنّنا نقلّم أظافرنا الطبيعية حتى لا تتفاقم رؤوسها فتشتدّ وتصير كمخالب ديك رومي في بلد إفريقي ؟.

وإني أتعجّب أيضا تأقلم هذا الديك ”الّرومي” الذي يعتبر من سلالة الطيور الأمريكية في بلداننا؟ قد يكون جاسوس خائن … أو ربما عميل طائر أو شيء آخر من هذا القبيل .

هلا تابعتم معي تسلسل الأحداث داخل النص والفكرة ؟ قد يبدو لكم منهج التفكير عبارة عن طلاسم، وريح بخور يشبه السحر الذي تضعه امرأة فاشلة عاطفيا لتنزع رجل متزوّج عن قطبه، فتخرجه من سريره الحلال ليصير عابر سبيل فوق أفرشة الأزقة التي تعاني من انعدام الإنارة في شوارعها الجوفاء …كل ما في الأمر أنّ ”الفرد” في زمننا المعاصر قادر لوحده دون المجموعة أن يشعل لهيب ثورة كاملة و قادر أيضا على بيع سريره مقابل ليلة حمراء في شوارع لبنان، وبيع أسرار وطنه برتبة خائن لا يجرؤ حتى على تقليم أظافر قطة برية . نفس هذا الفرد أيضا قادر على بناء دولة وهدمها أيضا . نعم هذا ما يحدث اليوم ببلدي على الأقل، الذي لم تفلح التحرّكات الجماعية فيه سوى في التخطيط للهجرة الغير شرعية وللجهاد ولتعاطي الديبلوماسية بمذاقها الماكر البعيد كل البعد عن المدنية .

على ذكر ”المدنية” يبدو أني عثرت على رأس فكرتي .دائما تعود إليّ أفكاري في آخر النص .تختفي أفكاري هكذا بغتة تحت لثّة النص وتظهر وقت الخاتمة . لماذا انعدمت سلطة المجتمع/المدني وتفكّكت وتحول الفرد لوحده لقضية رأي عام مسيطر في مدخل المدينة ببلدي ؟  أكبر رئيس طاعن في السن في الدول العربية هو فرد يحكم بلدي …شاب متهوّر يشعل النار في لحمه ويكون سببا في اندلاع انتفاضة تشبه الثورة أشعلت كامل المنطقة هو أيضا فرد من أفراد بلدي…أول رئيس يهرب على متن طائرة تاركا قصوره وشعبه وسيادة الدولة هو من جينيرالات بلدي أيضا…وأوّل امرأة كاتبة خرجت عن طوع عادات العائلة بكتاباتها الجنسية هي زر من أزرار قميصي الذي ألبسه الآن إنها فرد ”الأنا”  .

لقد صار كل شيء ”فرد” فأين هو المجتمع المدني الذي نفتخر حين نظن أننا ننتمي إليه؟ لماذا هو حاضر/غائب؟  لأنه كما تعلمون المجتمع المدني هو طائر لقلق يقف على رجل واحدة بما أن رجله الثانية يخفيها تحت جناحيه ليستعملها كعصا في وجه الدولة بمعناها السياسي وليس ذلك المعني المدني للدولة التي نحلم بها جميع العرب وغير العرب . جميعنا فردا فردا يقف اليوم أمام شاشات الكومبيوتر يوزّع قلقه والروتين في شكل صور مضيئة لامعة تنقصها الحقيقة طالما تخفي بثورنا وشقوقنا وتجاعيدنا وحزننا الذي تصنعه الدولة والأنظمة والمجتمع وينشر خواطره زاعما المعرفة والقدرة على تحليل القضايا وينسى أنه فرد ينتمي لمجتمع مدني هو كالدولة النامية .

ونحن على مشارف اليقظة من انهيار دور الفرد والمجموعة داخل الدولة، تهاطلت داخل بطني من الجهة اليمنى دموع تشبه انسكاب دمعة ميتة فوق خد طبيب وهو يقوم بتشريح جثة ساخنة لامرأة حامل في شهرها الثامن. يبدو ان الجرح الذي بكبدي ينزف بعد أن توقف ذات يوم. نعم انا إمرأة تعيش وتمارس الحب وتنجب وتجهض وفي الكبد والكلية اليسرى جرح قديم من مخلفات حادث طريق مروع. لقد تصالحت اليوم كفرد اجتماعي أكثر فأكثر مع هذا الجسد الذي يحملني وهو مجروح الأعضاء من داخله منذ سنوات وقررت أن انزع منه كل الأجسام الغريبة التي زرعت بأحشائه عنوة. في الصباح ضربت موعدا لي مع طبيب النساء لنزع لولب منع الحمل. لقد قررت أخيرا الانتظام في أوقات ممارسة الجنس وتعديل الكفتين بالقبل.
و بعد الرابعة توجهت لصالون الحلاقة وطلبت منها أن تخلع عني أظافر اصطناعية مستوردة من الصين ألصقتها قبل يومين للتجمّل بها أمام أصابعي،إذ لم أعد حقا أقوى على حملها، كما أنها أصبحت عائقا يحول دون حك ظهري وأماكن أخرى .وها أنا أنتظر الغد لنزع جسم غريب آخر يسكن جسدي لن أفصح بسرّه لأحد حتى لا يهدروا دمي….على نفس هذه الوتيرة ترجيت الدولة الواقع أن تنزع عنها كل الأجسام الغريبة التي التصقت بها على حين غرة….. الوطن يحتاج هو أيضا أن يتصالح مع بدنه.                                    .

لماذا تفشل أغلب تحرّكات المجتمع المدني وقت عملية الحشد وبعد الخروج حشودا ؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*