الانتحار حرقا وشنقا لأجل الشغل والكرامة وكرامة ليست هنا

 

ببص

أصحاب الشهادات العليا في تونس يسيرون على درب البوعزيزي لم يفهموا بعد أنَّ من مات فقد خسر حياته والشهادات العليا معا … و أنَّه ترك فرصة الشغل لغيره . لم أكن أحسب أنَّ الكرامة والشغل يفتعلان كل هذا الموت والبؤس في حاملي الشهادات العليا يوما…ولم أكن احسب أنَّ الشغل في بلادي سيدخل في عداد الأموات والمستحيلات…وأنا كنت ولا زلت طالبة في الجامعة لليوم وأوشك عمري على الكهولة…

للأسف تفتَّحت عيون الباحثين عن العمل في تونس على الموت من بعد أن حرق البوعزيزي لحمه والمارّة في سوق الخضر يتفرّجون …صار الموت والانتحار وجهة نظر عابرة نسمع خبره على مواقع التواصل الاجتماعية بين الحين والفينة … الموت لم يعد شيئا ننتظره فوق فراش الموت بل صار ظاهرة اجتماعية نعيشها في الشهر مرّتين على الأقلّ… الانتحار شنقا و الانتحار حرقا …وكلّ نفس ما اشتهت وكل لحظة جنون ما قرّرت… لم يطلب هذا المعطّل عن العمل كرسيا في وزارة بشهادة دكتورا مزورة كما هو حاصل اليوم أو رتبة نائب في البرلمان برتبة حارس غنم وسائق سيارة أجرة…هذا المعطل عن العمل يحمل شهادات علمية وتعب سنوات مرّة قضّاها متسِلّقا بين “الأتوبيسات” و “الميتروات” ومشيا على الأقدام “كيلومترات ” …وحين وصل لخط نهاية تعب الدراسة بدأت معاناته تتسلق عربات من نوع آخر … عربات المحسوبية …والفسادالاداري… والتشغيل بشرط سواء بدفع رشوة مالية أو جسدية أو عضوية …كلها رشاوي ثلاثية الأبعاد مواكبة لطفرة التكنولوجيا التي نسير وفق برنامجها ….

سأعلق الآن الكتابة في الموضوع …ربما لأني أرى العقم واضحا في رحمه الخارجي والداخلي وسوف لن ينفع هيجاني اللغوي الماكر …أو ربما لأني سأتجاوز العادات المتعارف عليها قانونيا وأخلاقيا واجتماعيا أو ربّما لأنّ الموضوع شائك لدرجة لا تعرف إلى من ستوجّه أصابع الإتّهام …للمنتحر الذي هلكه ضعفه وقلة حيلته أم للدولة وإداراتها المتواطئة في ملف تشغيل حاملي الشهادات العليا والمهتمة بتوزيع الكراسي توزيعا عادلا في مطابخ القصور …موضوع البطالة سأظل اعتبره من المواضيع التي لا يمكن الحديث فيها مطوّلا…مواضيع مرتبطة بثقافة دول نامية تقتات على الفساد…ولنترحم على آخر طالب شغل في تونس ويدعى رضا اليحياوي أصيل مدينة القصرين واختار عمود الكهرباء لكي يحترق فيه ونحترق….وأعلن رئيس الحكومة عن إقالة معتمد المنطقة المذكورة لاشتباهه في تزوير قائمة المسجلين في قائمة المنتدبين . وبعد موت كل شاب شنقا تكتشف الدولة حقيقة فساد موظفيها وكانت غائبة عنها قبل الانتحار .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*