لا تتكلّم عن المجتمع بلهجة غير محترمة فهذا دليل عجز عن دخوله!

هل المجتمعات العربيّة بحاجة فعلا لتنظيم مساحاتها أم….ثوراتها؟

اخترت عنوانا لهذا النص، مقولة للشاعر والروائي والمسرحي الإنجليزي/ الإيرلندي أوسكار وايد: “لا تتكلّم عن المجتمع بلهجة غير محترمة فهذا دليل عجز عن دخوله1“’ ربّما لأنزع من أذهاننا فكرة أنّ المجتمع هو السبب فيما هو عليه اليوم من خصام وتفرقة وجهل وشتات وضياع وقهر وجوع وتشريد، بسبب مشاركته في انتخاب أنظمة لا يعتقدون في المجتمع ويكابرون بلغة السياسة المدهونة بزبد الوعود الواهية الواهمة. لا تصدّقوا مقولات أنّ المجتمع هو سببا في نقصانه و تأخّره وأزماته، بل صدّقوا أوسكار وايد واعملوا على التغيير. الشعراء هم المجتمع والمجتمع هو نحن.

الزمن؟ الزمن معاصر جدّا، والدليل أنّي أتلقّى دروسا عن بعد في معهد الفضاء المدني. هذا الفضاء سحبني من تحت بساطه كم مرّة، واعتبرته فرصة للتعلّم المجاني والحال مساقات. وحق التعلّم كفلته معظم دساتير العرب قبل وبعد الثورات. ترى هل وضعت الدول العربية مسألة تنظيم المجتمع أمام ناظريها كما التعليم لتحقّق أهداف ثوراتها؟ أم أنّ ثوراتها معطّلة عن العمل وهي تحتاج للتنظيم قبل المجتمع؟

التاريخ؟ التاريخ هو أيضا معاصر/ استراتيجي، ومعلوماتي، ورقميّ بامتياز ومن حالفه الحظّ اليوم تمكّن من استقطاب أزرار هذا العالم المعلوماتي لخدمة المجتمع والعمل على تحفيز الهمّة واستنارة أقطاب التفكير، في زمن طغت عليه المادّة السياسيّة حتّى كادت تقتل بداخلنا الحسّ الاشتراكي والتعاوني، مقابل تقسيمنا وتفكيك هواجسنا الاجتماعية والأخلاقية.  كيف يمكن إذن أن نستغلّ عالم التكنولوجيا المتحرّك بسرعة، ومواقع التواصل الاجتماعية التي تجمع كافة القارّات لتسهيل عمليّة تنظيم المجتمع وتقريب الشمال من الجنوب وتطوير معاني “مفهوم ومبادئ تنظيم المجتمع من خلال المشاركة”؟

ماهو الوضع التصوّري والضرورة القصوى التي يجب استدراجها لوضع خطّة وإطار تصوّري لممارسة طريقة تنظيم المجتمع؟

أعتقد انّي أضع الإصبع مباشرة حول جروح عوالمنا العربيّة التي لم تجد بعد عقد الّلؤلؤ الضائع منها في خضمّ ثوراتها…تناثرت خرزات العقد وتفكّكت بسبب اعتقاداتنا  الفكرية “المتأدلجة”، المتعصّبة للرأي الواحد الذي لا شريك له. لماذا يضيع منّا الاجتماعي ونحن إنسان واحد يبحث عن السعادة، عن الحقيقة والحكمة والكرامة؟ كيف السبيل لتنظيم المجتمع؟

طوال المساق الأوّل الذي أنهيناه بهذه المهمّة الختامية والذي يعرضه علينا معهد الفضاء المدني كانت المواد المعروضة علينا طيلة سبعة أسابيع بالاختبار، ترنو للبحث عن سبل وطرق لتنظيم المجتمع وكنّا نحاول في كلّ مرّة رمي الصنّارة لصيد سمك فننجح طورا ونفشل طورا آخر في التحليل. ربّما لأنّنا مجتمعات تعيش اليوم زمن الثورات، وليس لدينا من حلول سوى التنظير والحلم. لكن قد ننتصر بعد التنظير ويصير الحلم حقيقة إذا تمكّنّا من مناصرة قضيّة تنظيم المجتمع إذ يقول ماجد عرسان الكيلاني: “أن كلّ مجتمع يتكون من ثلاث مكوّنات : الأفكار ، و الأشخاص ، و الأشياء .. وأن المجتمع يكون في أوج صحّته و عافيته حين يدور الأشخاص و الأشياء في فلك الأفكار الصّائبة … و لكن المرض يصيب المجتمع حين تدور الأفكار و الأشياء في فلك الأشخاص، و ينتهي المجتمع إلى حالة الوفاة حين يدور الأفكار و الأشخاص في فلك الأشياء”.                            

  فكرة تنظيم المجتمع؟ كيف السبيل لممارسة ذلك؟

لماذا يضيع منّا الحسّ التطبيقي إذا رمنا مناصرة قضيّة مجتمعيّة ما في حين يكثر القول والتنظير وكثرة الكلام؟ ربّما لأنّه ينقصنا وازع المبادرة والكتابة والمقاومة بعد التفكير.

لماذا يعيش الجنوب تحت خطّ العطش والتفقير والتهميش وينعم الشمال والوسط تحت غطاء الإرتواء؟ أكيد ليس لأنّ مناخ الشمال وارف ممطر، وتضاريسه هامة، طبيعتها قد أنصفتها بل لأنّ مفاهيم الرّيادة لم تصل بعد لكافة العقول لتنتصر ويتساوى الجنوب والشمال حتى لو عدلت المطر عن الهطول في جهة دون أخرى. أليست صلاة الاستسقاء جلب للمطر؟ أليست هذه الصلاة مفهوم ريادة والصلاة هي فعل جمع لا تفرقة؟ هكذا يجب أن نتّفق حول مفهوم الريادة دون كثرة القول والبحث في المفهوم.

بين الشمال والجنوب، يوجد دائما انكسارات جذرية وتنمية تسير عكس التيّار، كما يوجد فجوات اجتماعيّة ظهرت عن طريق فخّ العولمة الذكي. ولو كنت قادرة على إنجاز وتمويل مشروع ينزع التفرقة بين الشمال والجنوب في أيّ جغرافيا كانت، لكنت صمّمت على كتابة دراسة كاملة عبارة عن مدوّنة دوليّة تتضمّن قواعد وسلوك الشراكة الاجتماعيّة بين سكان الجنوب والشمال تعمل على تسهيل وتبادل أهمّ البرامج التنموية بين أفراد لجان المجتمع المدني وهياكل الحكومة المحلية. إنّي أعتبر فعل الكتابة والتدوين مطرقة قاضي قوية قادرة على التغيير في مجتمعاتنا.

هذه الفكرة التي أضعها في شكل ألفاظ وكلمات داخل نص تحتاج فعلا لرياديين أصحاب أفكار، مع مساهمة ذوي الأموال لصناعة “المجتمع الدولي2“.                                

– ما المجتمع الدولي؟

– هل إنّي باحثة في نظريات الفن تحلم بجرد قلم صغير نحيف في زمن الثورات والحكومات القليلة البخت؟                                                                        

 – هل يمكن اعتبار المجتمع الدولي المرادف الموازي للمجتمع الإلكتروني؟

نعم من وجهة نظري المتواضعة يمكن تعديل مفهوم المجتمع الدولي إلكترونيا ليصير مجتمعا إلكتروني، يساهم في دعم تغيير المجتمع للأفضل. والأفكار ليست فقط قواعد بيانات، بل إنّ الفكرة يجب أن تتوسّع لتصل الخيوط إلى بعضها ولو افتراضيا ليصل العطاء عبر آلية استحقاق إلكترونية وهذا في الواقع ما يهدف إليه معهد الفضاء المدني.

 

فاطمة بلغيث معتوڨ: أستاذة فنون تشكيلية وباحثة في نظريات الفن، جامعة سوسة. 

الهوامش:

1) د. محمد حميد غلاب الحسامي، “المجتمع المهتمّ .. والدفاع عنه”، صحافة نت اليمن/ نافذة اليمن (13/3/2019)، قراءة77

2) المجتمع الدولي: على الرغم من كثافة استخدام عبارة “المجتمع الدولي”، فإن المعنى الدقيق لهذه العبارة ــ كحال منشأها ــ يصعب تمييزه. وكما أظهر تدخل فرنسا مؤخراً في مالي فإن هذا الغموض يكمن في جذور العديد من مشاكل السياسة الخارجية الأكثر إلحاحاً اليوم.

يرى البعض أن المجتمع الدولي لا وجود له ببساطة. ويرى آخرون أن المصطلح يشير على نحو أكثر برجماتية إلى جميع الدول عندما تقرر العمل معا. ولكن هناك تعريف آخر أكثر دقة يشمل جميع الدول ذات النفوذ الدولي ــ أي دولة ذات هوية وسيادة معترف بها، وتختار المشاركة في المناقشات العالمية وصنع القرار العالمي.

ووراء الدلالات اللفظية يكمن السؤال الأكثر أهمية، والذي لا يقل غموضا، حول الدور الذي يلعبه المجتمع الدولي ومسؤولياته. فتماماً كما قد يقوض التعريف الأوسع مما ينبغي سيادة أي دولة، فإن التعريف الأضيق مما ينبغي ــ مثل ذلك التعريف الذي يبدو سائداً اليوم ــ قد يسمح بانتشار العنف وعدم الاستقرار…

مترجم عن قول:  ميشال روكار Michel Rocard،

-Michel Rocard, former First Secretary of the French Socialist Party and a member of the European Parliament for 15 years, was Prime Minister of France from 1988 to 1991

 

2 thoughts on “لا تتكلّم عن المجتمع بلهجة غير محترمة فهذا دليل عجز عن دخوله!

  1. دار بي مقالك استاذة فاطمه في فلك الثقافة ورحاب المعرفة وجينيولوجيا الاخلاق كما يصفها نيتشه ..شكرا لجمال روحك التي عكستها حروفك الثائرة

اترك رداً على فاطمة بلغيث معتوق إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*