التعليم الإلكتروني : هل هو فعلا قبول للفرد المتعلّم أم هو ضرب للفردية بدعوى قيمة العمل الجماعي ؟

لأنّي توسّلت خيرا في التعليم الإلكتروني منذ جرّبته لأول مرة فقرأت فيه غبطة وأملا للمواطن العالمي داخل الفضاء الإقليمي الذي يحتويه بغض النظر عن ثقافته ومستواه العلمي،وظروف وطنه السياسية والاقتصادية والثقافية. إلا أنّي أقف وقفة الباحثة التي تتعامل مع المصطلحات المعاصرة بحذر تماما كما وقوعنا في حب شخص بعد فشل عاطفي قبله . الوقوع في الحب للمرة الثانية يتطلب منا دوما أن نقع فيه بحذر متواضع لا يلزمنا بأي شكل من الأشكال أن نتشدّد في حكمنا على العلاقات العاطفية بين مختلف المجموعات البشرية كاملة أو أن نحكم على الفضاءات التعليمية الإلكترونية كلّها بنفس ذات الحكم الموضوعي كما فهمناه ومرّت علينا التجربة .

إنّ بداية التفكير التي ربطتني بتقديم هذا البحث الصغير بخصوص منظومة التعليم الإلكترونية التي بدأت تتغلغل على المواقع الإلكترونية اليوم بصفة تدريجية وذكية لها علاقة بتجربة ذاتية مرّت علي هذه الأشهر الماضية القريبة،وهي ردة فعل كالومضة الإشهارية الذكية والمجانية والتي تستبطن وتختبر قدرة القارئ على فهم معضلة المجتمعات العربية المنكوبة في الوقت الراهن .التعليم الإلكتروني حسب وجهة نظري يجب أن يقع تعميمه علّه يكون مفتاح التحدّي لمحدودية المواد التعليمية التي نتلقاها في فضاءاتنا الحكومية التقليدية وليس الافتراضية وأن يكون إشارة ذكية لتغيير تفكيرنا السقيم ووجهات نظر البعض القائمة على النمطية والولاء للسيد، وأنه يجب أن يكون رأيه متشابها لرأي المجموعة حتى يستطيع التأقلم معها ولو عنوة ،المهم أن يسير برأي الأغلبية ليضمن تموقعه داخل المجموعة . إني لحدّ اللحظة بصدد الحكم إيجابيا مع شيء من الحذر ليس من  التعلم الإلكتروني بل من مدى فهم رواد أي فضاء افتراضي الهدف الذي يرسمه لنفسه من بعد مشاركته في التعلم عن بعد . هناك من يفكر مثلا في إثراء معارفه وبالتالي إثراء سيرته الذاتية بشهادات قد تكون ذات شأن وقد لا تكون . وهناك من يجد نفسه مجرد متعلم يساير المجموعة من دون أن يفهم أي شيء وكأنه يقول “أنا معكم لا تنسوني بكلمة شكر ” وهذا فخ يأكل الثقة في النفس ويجعلها نفسا متواكلة لا تبادر ولا تصلح أصلا لنيل لقب متعلّم . رغم هذه الأشكال التي صورتها لأجل النقد ولغاية الإصلاح إلا أني لازلت من الباحثات التونسيات المدمنات على التعلم الإلكتروني في مجالات تلامس ربّات الشغف التعليمي عندي رغم كثرة المشاغل التي تحوطنا .كلّ ما في الأمر أنّي أربط حياتي بكمية المعارف العلمية التي يجب أن أجرّبها علّني أفهم مؤسسة العقد الاجتماعي التي افتعلها جون بول سارتر ذات فلسفة وتركها للتأويلات العلمية المختلفة .

 

المواقع الإلكترونية التعليمية هي إذن المفهوم الموازي أو المؤسسة التعليمية البديلة لتلك التي نقصدها كل يوم ولمدة سنوات كالمدارس والجامعات ويتوجب علينا الانضمام لها بحق يكفله لنا الدستور .وهذا الحق هو من أعرق الحقوق التي دافعت عنها الشعوب كافة تقريبا منذ خروجها من غمامة الجهل المقدس نحو العلم المقدس . الانضمام لهذه البنايات وضرورة تلقي موادها لنتعلمها (سواء أحببنا تلك المادة أم لا)، إما بالحفظ الأعمى أو عبر اجتياز الاختبارات التجريبية والامتحانات بات أمر روتيني لكنه روتين الضرورة وليس روتين من فراغ لأن بناية المدرسة الحقيقية ستبقى هي أعمدة الأساس الصلب الذي يبني قيمة الفرد منذ صغره. طريقة التعليم التقليدي أسوأ ما فيه كونه يفرض عليناأ  مواد بيداغوجية لا تتغير إلا وفق انعقاد مجالس وزارية واستشارات قانونية و أنها لا تتغير على حسب تغير نمط العيش المعاصر الذي هو في صعود دائم للعولمة. فنحن اليوم نعيش في فوهة نظام عالمي يقوم على بسط مفهوم التكنولوجيا العالية حيث صار كل شيء نروم التعامل معه رقمي إلكتروني يدعونا إليه بكل بساطة التعبير عبر الضغط على زر لتجد بعده نفسك في ورطة يجب عليك السلاسة للفكاك من شراكها لأن هذه المواقع صارت إدمانا .

التعليم الإلكتروني هذه الثقافة البديلة للمؤسسة الموازية لمؤسسات التعليم التقليدي هي فرصة تقدّم لنا بصورة مجانية افتراضية يجب أن نتعامل معها بذكاء لبناء مستقبل الخيرية.غير ذلك فإنها تعود بالضرر على الفرد .

حسب ما عايشته في أكثر من فضاء إلكتروني فإني فهمت الهدف الرئيسي من تقديم دروس عن بعد وإني آمنت بالهدف الذي هو : ترسيخ مفهوم “مجتمع الممارسة ” في العالم العربي المنكوب ثقافيا وسياسيا واقتصاديا .علها هذه المؤسسات التعليمية الإلكترونية  تخلق في الأفراد التي تدخلها نوعا من الحركة الدائمة للدفاع عن حقوق الإنسان أو للسير بالمجتمع المدني نحو تعبيرات أكثر صحة في طريقة التعامل مع السلطات التي لا يربكها سوى مصطلح “المجتمع المدني” .

إن أهم دور يمكن أن تلعبه مؤسسات التعليم عن بعد اليوم ونحن على مشارف الهاوية من خلال تعودنا أغلب المجتمعات العربية العيش وسط براثن الحروب المتواصلة ورائحة القذائف والمتفجرات، هو العمل على خلق “مواطن عالمي” ذكي ينفذ ما يريده مهما كانت الظروف . فمستقبل العالم يرتكز على المواطن العالمي نفسه والحكومات لا يمكنها في كل الأحوال أن تتحمّل عبء العمل العالمي بمفردها،فتسقط هي أيضا في قعر الهاوية .

تعلقت بالتعليم الإلكتروني كما شغفي بالكتابة التي أعتبرها مصدر رزق فكري/عاطفي ومادّي شريف وصادق يكون فيه الاجتهاد سمة التجديد والإبداعية والتفرّد . الوقوع في التقليد الفكري وإعادة الصياغة بالاختلاف اللفظي هي من التقنيات التي لا تثيرني دوما . بل إني لا يثيرني غير رسكلة القديم من الأفكار رسكلة كاملة وإعادة تدويره تماما كما تدار فضلات الإجهاض البشري والأجنّة لإعادة صنع مساحيق للمرأة تستغلّها لنشر ثقافة الجمال الاصطناعي المركّب الذي يحوّل الوجه من طبيعته إلى طبيعة أخرى مختلفة تماما.قد ينبهر البعض بجمال المساحيق كما قد يرفضه الكثير لأنه جمال يزول بزوال الرغبة عفوا بزوال ألوان المساحيق بفعل الشمس والبكاء والأكل وشرب سيجارة . هنا لا بد من الإشارة إلى فكرة أريد أن أكتبها ببساطة. قد لا يفهم القارئ بواطن أمثلتي التي أرسمها للتعبير بشيء من الحذر . قيمة الفرد داخل أي منظومة تعليمية إلكترونية لا يمكن أن يفسخها أي عقد أو لون أو رسكلة أو إعادة تدوير لفكرة .الفرد الناضج هو أولا سيد نفسه يعلم جيدا ما يفعل ولماذا ؟ ويعلم جيدا أن قيمته داخل مجموعة مختلفة ثقافيا وعلميا هي رهينة بيد إدارة أي فضاء تعليمي إلكتروني . ماذا لو كان هذا الفضاء مؤمنا بالعمل الجماعي وهو لا يؤمن بعمل الفرد أساسا ؟ هل سينجح مشروع الفضاء على المدى البعيد ؟ وهل سيتمكن من بناء مواطنا عالمي واثقا من نفسه وليس تابعا ضمن مجموعة .العبرة من كلامي هنا ليست لأجل قيمة الفرد فحسب بل من أجل ترسيخ مبدأ القدرة على تحمل عبء مسؤولية التعلم الافتراضي  للقيم والمبادئ المدنية التي يروم الخوض فيها عدد كبير من المجتمع العربي الغارق في صراعاته .

التعليم الإلكتروني هو من ناحية نفسية كان بالنسبة لي الإضافة العلمية التي نغفل على تعلمها لمشاغل الدنيا الجمّة .وهو من ناحية سيكولوجية/نفسية تعويض للروتين الذي عشناه ولا يزل يعيش عليه أولادنا والمتعلق بموادنا التعليمية البيداغوجية التي تلازمنا طيلة حياتنا بحيث لا تتغير مواد التعليم إلا أحيانا .فالمواد التي تعلمتها منذ طفولتي هي نفسها المواد التي يتلقاها أولادي اليوم تاريخ وجغرافيا وتربية مدنية خفيفة الظل لا تخرج عن نطاقها الضيق وفرنسية وعربية وتربية إسلامية ورياضيات وفيزياء وتربية تشكيلية وأناشيد هي نفسها تتكرر.هذا هو الروتين الذي أردت أن أبسطه حبرا منذ لحظات وإني أرغب أن تكون أي مؤسسة تعليم إلكترونية السبيل لتنمية قدرة الفرد وليس تنمية قدرات الفرد ضمن مجموعة .العمل الجماعي لا يمكنه أن ينجح إلا إذا كانت المجموعة كلها على نفس خط ووتيرة المستوى العلمي . نعم هذا واقع يجب أن نعطيه حقه كما لا يجب أن نغطي عين الشمس بغربال.

“المجموعة” أو العمل الجماعي بشكل افتراضي هو عمل فاشل لا يمكنه أن يكون مشروعا لتنمية القدرات طالما لا يوجد لدى الفرد الواحد الحد الأدنى من تقنيات التواصل المادية وغيرها . “العمل الجماعي” هو مفهوم “الوهم الجماعي” الذي نتوهم به كلما غابت واضمحلت قيمة الفرد .

 

2 thoughts on “التعليم الإلكتروني : هل هو فعلا قبول للفرد المتعلّم أم هو ضرب للفردية بدعوى قيمة العمل الجماعي ؟

  1. حقا رائع جدا يا فاطمة وتشخيص لحالة واقعية بالفعل تحتاج لإعادة نظر بالنسبة للعمل الجماعى … تحياتى وتقديرى لقد سعدت جداً لهذا المقال الرائع

اترك رداً على مجدى عبد الرحمن إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*