الخميس الأوّل لموت عمل فنّي بمنزل بوزلفة ؟

في هذا الخميس الأوّل لموت الأثر الفنّي الذي صمّمته التشكيليّة والجامعيّة  “منى الجمل السيالة” بمدخل مدينة منزل بوزلفة ، في الحقيقة لا أعرف لمن سأتقدّم بالتعازي . هل للثقافة التونسية التي ما انفكّت تتشرذم وتتخوزق بالرغم من جهود الفنّان المتتالية … أم لصاحبة المولود الفنّي التي أعدموا طفلها شنقا أمامها مع سبق الإصرار والترصّد …أم أتقدّم بالتعازي لصابة القوارص بالوطن القبلي …أم للبرتقالة الرمز الذي ميّز جهة منزل بوزلفة والذي وقع حصده في غير موسمه .

    mouna

منذ أيّام ليست بالبعيدة تعرّض الأثر الفني المنتصب بمدخل مدينة منزل بوزلفة إلى عمليّة اغتصاب وحشيّة في الطريق العام وعلى مرأى المارّة . استنكر جميع الفنّانين وحتى المواطن لهذا الجرم الذي اقترفته آلة حاصدة كانت بمثابة العبد المأمور .هكذا صرنا نوسّم للفنّان في حياته فنّان يعمل في المجال الثقافي التونسي على مدار السّنة ويمثّل المجال الفنّي التونسي في كامل ربوع العالم أحسن تمثيل دون ملل ومن غير انتظار وسام الإبداع .في بلدي لا يوسّم بضمّ الياء وفتح السين المبدع الثقافي إلّا بعد أن يمدّ رجله وأحيانا قبل أن يوارى الثرى بأسبوع أو بيومين . هكذا شاء القدر الغريب .

mouna3

منى الجمل السيالة هي من بين المبدعات الأكاديميات اللواتي يمثّلن الثقافة التونسية خارج حدود الوطن وأعمالها تشهد لها بذلك ولست مطالبة بالتذكير والذكر والتمجيد -هو فقط فلاش باك فرض نفسه على الجملة التي سبقته-. يكفي الرجوع لمفتاح البحث جوجل وكلّ شيء تجده مسجّل عنده بالتفصيل . في المقابل بماذا وسّموها هذه المرأة؟ وبماذا جازوها في ليلة شتاء حارّة ؟ وكيف تعاملوا مع أثرها الفنّي المتمثّل في تنصيبة ترمز لهويّة الجهة . لقد أقدموا عليها بجرّافة فحصدوا لها أوصالها من المنبت وكأنّهم بصدد هدم بناء فوضوي خارج عن النطاق القانوني . وطبعا عمليّة الهدم أخذت طريقها بوحشيّة واستنكرت البعد الرمزي للعمل وبعينين شامتتين شريرتين غاضت بالطرف عن الألم الذي ستسبّبه لصاحبة الفكرة . فأيّ اغتصاب وأيّ جريمة بحق الثقافة الفنيّة ؟ وأيّ خميس ؟

 كان من المفروض أخذ الإذن من صاحبة العمل قبل الإقدام على الهدم .فيلين عظم الأثر ويتقبّل قدره الحزين كما تقبّلت الثقافة حظّها منذ سنوات بالتهميش، وفي الأثناء تهيّئ الفنّانة صاحبة المولود نفسها لتقبّل الواقع المرير للمبدع وللثقافة في تونس ما بعد الثورة . ويكون الجميع قد عرف قدره .

     mouna1

1200 برتقالة صنعتها يد صاحبة العمل .برتقالة رصّفت جنب البرتقالة وما بينهما فراغ يحاكي مفاهيم شتّى …ألف ومائتين برتقالة مستديرة مغروسة في الأرض وقع حصدها خارج موسم قطفها .فلا الآلة الحاصدة تفهم المعنى ولا الحاصد برجل ثقافة يعي معنى قطف الثمار في غير موسمه ولا الآمر بعمليّة الحصد كان في محلّه . لقد أقسم جميع المتآمرين على الفعل الشنيع بهدم هذا العمل الآلة ورئيس بلديّة المنطقة والحاصد الذي يسوق الجرّافة وكلّهم دخيل على العمل الثقافي وهذا سبب من بين أسباب اضمحلال المفهوم الثقافي في تونس . إذ ينعدم عندنا الحسّ الثقافي داخل الإدارات وخارجها .

وبينما أقسم هذا الجمع على تحطيم العمل بإسمنته،ومفهومه، ومكوّناته وانقسام ظهر الفنّانة لنصفي برتقالة كانت “منى” قد دعت منذ عام ونيّف أن”لا للانقسام” من خلال عمل فنّي فوتوغرافي أخذ صداه عالميا ومحليّا وكان العمل عبارة عن مفهوم وفلسفة تقوم على أبعاد شتّى لا يمكن لرئيس بلديّة ولا لعامل يقود مجرفة أن يفهموا ويفقهوا معناه حتّى لو تعلّموا فنّ زراعة البرتقال وعمليّة جنيه كلّ يوم .

“لا بقى يعاودلك سو منى ” …….هي عبارة نتداولها بجهة صفاقس يوم التعازي لفقدان عزيز علينا . و تتداولها بقيّة ولايات تونس كلّ جهة بطريقتها وتبقى الثقافة بتونس العزيزة متعدّدة النكهات وحتّى تقبّل التعازي تختلف لغته وتنفتح على التعدّديّة الثقافيّة . ويبقى للموت الثقافي نكهة لا يفهمها إلا من اكتوى بنار الإبداع والفنون التي ما انفكت تنادي ببناء متحف لها لصون شرفها وعزّة نفسها من الموت الفجئي على يد جرّافة أو يد منحرف يدعو لقتل الفنّ والفنّان .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*