بين المقدّس والمدنّس هناك من يقاوم .

 

لاضك

مقاومة

ربّما توافقونني الرّأي أنّ الإنسان هو المقدّس بعد الله … طبعا هناك من هو مؤمن بوجوده وهناك الذي لا يؤمن بوجود الّله وأعلن موته كما “الزرادتشت الفيلسوف المجنون نيتشه”. وتلك قضيّة رأي عامّ أخرى .المهمّ أنّ الإنسان هو مخلوق محسوس وملموس ومادّي له لون وطعم ورائحة .يتبوّل.يتبرّز.يتنفّس.يتناسل.يفكّر.ينتج.يستهلك.يقتل.ويُقتّل…وأن تقدّس قيمة البشر والأرواح التي تقابلك هي في حدّ ذاتها إعلان ضمنيّ لوجود اله بداخلنا ..اله عظيم ولا يمكن حصره في تسعة وتسعين إسما …يقال أنّ من أحصاها دخل الجنّة . فكم هو سهل وممتع دخولك يا جنّة النّعيم والقدس.لماذا المقاومة اذن؟؟

 

مقاومة1
حين تقوم ثورة ببلدي تونس لأجل الكرامة والمساواة والعيش الكريم . وتكتشف بعد سنة واحدة أنّ الكرامة والمساواة والعيش الكريم هي مجرّد مفاهيم للّغو والعبث والصّعود فوق الظّهوروللترشّح للانتخابات وللّعب في البرلمانات ولتمويل إرهابيّ من هنا وهناك. فأكيد أّيّ عاقل سيلتفت إلى يمينه وشماله ويبزق على الشّيطان الواقف ذيله كغصن شجرة بجانبه …ويقول لا للحريّة لا لديموقراطية كذب لا للإرهاب لا للإنتخاب -نعم للإنسان – سيصرخ فيه الشّريان أن لا للتحيّل على الإنسان البسيط ،الضّائع ، المحتاج ، الفقير،المؤمن، والكبير …أين أنت يا من تهتمّ بعدّ أسماء الله الحسنى ؟؟ هل ضعت وسط الزّحام الذي خلقه لك في سبعة أيّام ؟؟ أين زلزلة الجبال وتمدّد الأرض وأين هي السّماء ذات البروج ؟؟واليوم الموعود ؟؟وشاهد ومشهود؟؟ هل أنا أهذي ؟؟ربّما …بعد منتصف الّليل يصيبني ربو الحياة بالهذيان .
وأنت تجوب الشّوارع كلّ يوم يعترض سبيلك نساء تونسيّات يجبن الطّرقات التّي يكثر فيها ضجيج وفضلات المطاعم والمقاهي والفيلات الرّاقية … والغير راقية . وكلّنا فيض من الفضلات في النّهاية. وطبعا هذه الفضلات تفرق في النّوع والكميّة والكيف …هناك
مزابل وفضلات الطّبقات الرّاقية وهناك فضلات الطّبقة المتوسّطة وهناك فضلات ليس فيها روح ولا ترتقي لمستوى المزابل حتّى.
حين تشاهد امرأة من بلدك تجوب الشّوارع في البرد ووقت الحرّ وفي كلّ الفصول .أكيد يصيبك نوع من الإحراج وتمرّ مرور الكرام لأنّه ما بيدك حيلة وانّ الأداءات والضّرائب ودفع كراء مسكنك ونفقة الحياة ثقيلة بحجم ثقل رجال السياسة والوزراء ونفاقهم. هذه المرأة التي في الصّورة التقطتها عدستي بعد أن تقرّبت منها وطلبت منها إذن الدّخول لمعاناتها لقبرها لجحيمها . هذه المرأة تونسيّة مسنّة استوفت واجبها في الحياة ودفنت أولادها وبقيت هي .دفنت كل أولادها وبقيت هي صامدة أمام قسوة التّاريخ ودنس الحياة أخبرتني أنّها بربريّة الأصل وتعيش في سوسة على بقايا الإنسان…هي بنصالها البربرية ومليتها الآجورية الّلون وإسوارة يدها الفضية كائن مقدّس يحيا وسط المدنّس ….وتجاعيد وجهها التي تفشي عمرا هي تجهله لكنّه يقارب على الثمانين.تعابير خيبة وسخط مكتوم ، سألتها عن حياتها فسكتت وكانت ملامحها هادئة ومحايدة وكأنّها تبتهل في صمت . هذه المرأة لا تعلم أنّ رؤساء الأحزاب في بلدها يشكون من قبض في الأمعاء من شدّة أكل الفواكه الجافّة والّلحوم .ليس لديها تلفاز..ولا تعلم أن أكثرهم في مخابر التجميل يتجمّلون .حتّى رئيس حزب النّهضة قد اهتمّ برونق حجرة فمه الأماميّة وغيّر لها طاقم أسنان يليق بعودته لتونس . هو يقاوم وكان يقاوم منذ شبابه وهي تقاوم ولازالت تقاوم . هو يقاوم باسم الدّين وهي تقاوم باسم بصفتها انسان .

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*