من لم يكن يتيما فلا يدخل علينا

Snapshot_20141221_7

كوب واحد من اليتم كفيل بان يسكرنا الدهر كله …خمرة اليتم أحبتي لا تقتل و تحيينا… تنهش الرأس ولا توهمنا بحياة وردية زاهية بعد موت الأب أو الأم .هي خمرة سادية تتلذذ بقهرنا تمارس وجعها …تألم… تُفرِّق… و تسقنا في المقابل رشفة من الحكمة والصلابة وقوة النفس والجأش … ورغم كل شيء فان وجودنا في أي شكل من الأشكال هو قضية تستحق التفكير .جمرة اليتم لا تشبه جمرات الحياة الباقيات…. وأكواب الخمرة تفرق عن بعضها .خمرة نبيذية تنعش الرأس وتضعف الجسد وتفقد الوعي وخمرة أخرى تنهش إنزيمات الطفولة بداخلنا مريرة صعبة لكنها تقوي النفس وتصنع منها ثورة متجددة كل يوم وما من احد سيعيش بوالديه طيلة العمر تلك هي قوانين الحياة كما رسمها الخالق …كلنا سنذوق كاس اليتم يوما وما أمره وما أقساه وما انفعه وكم نحن بحاجة له لنجدد نظرتنا لدنيا مصيرها الفناء ولنحب الإنسان وأبنائنا والحياة بما ملكت أيماننا وأيدينا وجيوبنا …….كوبنا واحد يا يتامى الدهر…فتعالوا إليَّ نشرب نخب يتمنا الليلة ونوزع ما تبقى في القنينة على يتامى الكلاب والقطط والأرانب …كلنا كائن حي وكلنا مشروع يتيم … كوب واحد من اليتم يسقنا خمرا غير حامضة لكنها تصيب الرأس بصداع مجرم … لا يرحم ويقوينا … يكفي أن تشمَّ ريح فستان أمك وتغرس أكفاف قميص والدك في ثقوب انفك اليتيم ليصطف ألف ربيع ومائة صيف وكل مياه أمطار الشتاء التي بللت ثيابك وأنت تشق الطريق ذات يوم مع والدك باتجاه المكتبة لتشتري أدوات وكتب سنتك الدراسية الجديدة ….أنا يتيمة الأب والأم منذ أعوام فقدت أمي وكانت بجانبي ولم افطن لعزرائيل وقتها …انه وهم لا يمكن لمسه ولا إغوائه بقبلة …ومات أبي بين يدي وأنا ابنته الوحيدة تابعت عثرات نفسه وتلعثم لسانه وتثاقل أجفانه خطوة خطوة و لم المح وجود عزرائيل أيضا .كان سرابا أكثر من الوهم درجة… خمرة اليتم لا تُسقى جرعة واحدة أحبتي ….نستهلكها جرعات على مدى الحياة …بالنسبة ليتيمة الأم أول جرعة لها تكون يوم الولادة . تستلقين على كرسي الولادة تصرخين تنزفين تتجرعين تتضرعين تتأوهين تلتفتين يمنة ويسرة تنادين “يا اميمتي ” والدم ينزف والقابلة تسلخ في فوهة الرحم ليتسع ثقب المهبل ويسهل إخراج الجنين ولا تجدينها بقربك . وأنت تلدين في غياب الأم هي أول جرعة بطعمالحنظل مرارتها ستجعل منك امرأة قوية يافعة متصلبة غير آبهة لأي وجع من الأوجاع الأخرى …

أنا أحس بوجع كبير اليوم وألم وحزن شديدان لان اعز أصدقائي فقد والده والتحق بقطار اليتامى .صديقي يتيم مثلي اليوم ….أكيد أنا أحس بوجعه مذ علمت فراق والد ه البارحة بتاريخ 17 -10 -2015 . ومن لم يكن مهندسا يتيما لا يدخل علينا .صديقي الكبير المؤلف والأديب المصري “محمد السباعي” هو في الأصل مهندسا ومعماري سمعته البارحة ينزف فقدان والده اللواء السيد “سامح السباعي” …البارحة انهارت كل المباني والصروح وتهاوت الأعمدة بين تونس ومصر وتساقطت صخور الجبال و حجارة الصحاري حجرة حجرة … عندما يبكي اعز الأصدقاء فما علينا سوى الصمت وقراءة قطرات الدمع قطرة قطرة علها تعوض كاس خمر اليتم الذي حدثتكم عنه أعلى الصفحة…

بحت اليوم عن الم اليتم بكل ما املك من ضعف وقوة .بحزني بوقاحتي …بقبحي…بقسوتي …بجموحي بكل ما املكه من تناقض مقيت … كلمات كتبتها بقسوة وصدق معا و بداخلي خجل رهيب من كل اليتامى الأطفال ومني فانا أيضا لازلت طفلة تعدو وراءها ….اليوم بالذات اجتاحني شعور عارم بان اقبل كل يتامى الأرض اقبل جبينهم واحدا واحدا وان ادعوهم إلى مملكة اليتم نشرب نخب حب الحياة كما لم نحبها من قبل . كلنا مشروع يتيم هكذا شاء دستور الحياة …..فارفعوا كؤوسكم أصدقائي اليتامى نحن أقوى بدون الوالدين ولسنا الأجمل. أيام أعيادنا يتيمة في نصفها الأول ونصفها الثاني فرحة كما البشر … أيام نجاحاتنا مرير لحظة انتشار الخبر وبعد انتشاره في المقابر سيكون اسعد خبر… نحن يتامى بالفطرة فلا تيأسوا أحبتي وارفعوا كؤوس خمرة اليتم انه لعمري أمر كاس وأعذبه …………………..إلى الوالدة اهدي وشاح نجاحاتي وأملي والى الوالد أقول أنت مهندسي اليوم فادخل علي وبيدك سيجارة الكريستال المفضلة لديك ادخل علي كما لم تدخل على ابنتك من قبل ولنشرب نفس السيجارة مع بعض في كرسي بيتك المغلف بالأحمر …….والى صديقي العزيز “محمد السباعي ” أقول ليتني كنت ابنتك اليوم لأمسح عنك حزن ولوعة فراق الوالد……………………………………………….

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*