برّ فريقيا

fri1 fri3

هناك بعيدا فوق آخر شرفات جبل الدير… وفي حضن مناخ يحكمه مزاج متقلب  يتأثر ثرتارة برطوبة هواء المتوسط وتارة بهواء الصحراء الجاف …هناك على رصيف الصبر …وعلى ضفاف الترقب في أسفل الخريطة تسكن “الكاف” عاصمة التل الغربي التونسي ارض حبلى تحمل في بطنها بقايا مدينة رومانية وأخرى نوميدية … مدينة لا تزال صاحية في ذاكرة الزمن . “كافها “لا تزال مرفوعة في عمق التاريخ محفورة بين ثنايا التربة .”كاف” مستيقظة من تحت ركام الوجع الوطني … هي إن شئت سميتها ” سيكا ” كما أوردها المؤرخ اليوناني “بوليب” أو هي “فيناريا” عند الرومان وان شئت فاجمع اللقبين فيصير اسمها “سيكافيناريا”… . الكاف” اليوم هي سيكافيناريا الماضي منطقة يشهد عليها جبل وعر المنحدر تشرف على سهول”السرس” و”زنفور” و”الاربص” … موقع جغرافي استراتيجي متميز يشهد عليه الجغرافي اليوناني “بطليموس” (القرن الأول بعدالمسيح) وكذلك دليل “انطونيوس” (خريطة للطرقات الرومانية ). من أين سيبدأ وصفي لل “الكاف”؟… عن أي “كاف” سأتحدث؟ …عن “سيرتا”؟ عن “سيكافيناريا”؟ عن “شقبنارية”؟ أم عن تراث “الكاف” ؟

الحاضر هو امتداد للماضي ومؤسس للمستقبل فلا يمكن الفصل بين سيرتا وسيكافيناريا وشقبنارية وسيكا وفيناريا والكاف كلهن أخوات لم يرضعن من نفس الثدي و ألقاب تعاقبت على الجهة الواحدة تلو الأخرى وتساقطت فوق بعضها البعض كما تتساقط أوراق التوت عن العورة لتكشف عن تاريخ وتراث محفور تحت أديم الأرض “الكافي” … تعاقبت الحضارات على مدينة الكاف وتتالت الامارت عليها… و كل حقبة تاريخية إنما تخلف وراءها حجارة وفسيفساء وقطع رخام وبقايا عظام بشرية ونقائش وخزف … فتكونت طبقات من تراب نوميدي وبقايا حجر وسيراميك روماني ومقابر جلمودية امتزج الكل تحت الأرض ثم بنيت فوقه مدينة الكاف ….هي اليوم شاهد حي ينطق عن تاريخ نوميدي وبربري وروماني…و”مائدة يوغرطة” إنما هي أقدم مولود أنجبه تلاقح وتحرش حجر بصخرة مولود يثبت عن نوميديا…والاسم (مائدة يوغرطة) لقب أطلقته الحماية الفرنسية في أولى مراحل عملية اغتصابها “لبرّ فريقيا”. وبر فريقيا هو مفهوم أو هو اسم أطلقه المؤرخ التونسي” عبد الحميد لرقش” لتصحيح المفاهيم وللوقوف عند حدود المعنى …ومائدة يوغرطة هي اليوم من المعالم الصامدة تراث بحجم 80 هكتار( فقط ) يحاكي تاريخا آخر لتونس ويروي قصص الذاكرة الجماعية بطريقة “نوميدية”…هذا البريجسد لنا علاقة الإنسان يالارض وتراث إنما هو في الأصل مرتبط بالمزارع الإفريقي. محيط تكيف فيه الإنسان الفلاح والمزارع وأنتج حضارة وتراث بحجم تاريخ كامل …

في هذا “البرّ الفريقي” رفع يوما ما شعار ماسينيسا الشهير “إفريقيا للأفارقة ” عاملا على تأسيس دولة امازيغية قادرة على مواجهة التحديات الخارجية …وماسينيسا هو أشهر الملوك النوميديين هزم حنبعل في معركة زاما التاريخية سنة 202ق.م وفي عهده برزت نوميديا في ميادين عسكرية وثقافية وجهز الأساطيل ونظم وشجع على الاستقرار وتعاطي الزراعة والتجارة … و”لاليسار”(عليسة) نصيبها من تاريخ نوميديا…وهل للتاريخ أن يستمر ويستقر على قرار دون تدخل (امرأة) على الخط ؟ وهل كانت ستزدهر وتتقدم المملكة النوميدية في “الكاف التونسية” لو لا إغراء عليسة وإثارتها ليارباس الملك النوميدي الذي سمح لها بالإقامة في مملكته ؟…. يارباس وماسينيسا ويوستسنيوس و مكيبسا وغيلاسا وماستانا بال هم ملوك تعاقبت على نوميديا ليأتي من بعدهم القائد العسكري العظيم يوغرطة ونجده الجبلي .هذا النجد تجسد معماريا في مائدته المشهورة في اعالي جبال مدينة الكاف العالية …حصن معلق في السماء بمساحة 80 هكتارا و بعلو 1272متر …

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*